Translate

الأحد، 4 يناير 2015

يوميات اتنين متجوزين عمر وساره الحلقة (29)

قـالت سـارة:
--------------

مرّت ثلاثة أسابيع على ولادتي ليحيى .. زاد وزنه قليلاً واستدار وجهه، وظهرت ملامحه أكثر ..

عمر يصرّ إنـّه شبهه وأنا أحلف إنـّه شبهي أنا..!! أصبح يعرف صوتي .. عندما أناديه أو أتحدث بصوت مرتفع بجواره ينصت ويتوقف عن البكاء .. وماما بتقول لي إنه بيعرف رائحة أمه من يوم الولادة .. سبحان الله ..
وطبعا لا علاقة له بعمر أبداً، لأنه حتى الآن يعجز عن حمله بصورة صحيحة، ويكتفى بملاعبته وهو على كتفي لدقائق قصيرة .. وده لأن أنا نفسي باشوفه طول اليوم لساعات قليلة علشان الشغل الجديد .. وأحيانا يأتي ولا نراه ..
أنا سعيدة جداً بيحيى، وأشعر أنه أعطى حياتي طعماً جديداً .. وأستعجب كيف كنت أعيش بدونه .. لكن في نفس الوقت أشعر بشعور رهيب من الحزن والإكتئاب والرغبة الدائمة في البكاء لأقل الأسباب .. وأحياناً بدون أسباب .. لا أعرف سبب رغبتى الجديدة في تذكر كل الأحداث الحزينة التي مرت عليّ، وتخيل ما يمكن أن يحدث من سوء لي وليحيى ولعمر .. وعندما يتعطف عليّ يحيى باشا ويسيبنى أنام أحلم أحلام سيئة جدا بأنى دائما بأفقد يحيى و.. و.. و..
أحيانا أرفع سماعة التليفون كي لا يكلمني أحد على الإطلاق حتى ماما .. حتى الأكل بآكل غصب عني ولا أشعر بمذاق أي شيء .. ولا رغبة عندي أن استمع إلى عمر وهو يحكى لى كل يوم عن عالمه الجديد بمنتهى الحماس .. وأنا أسمعه وكأنى من عالم آخر ..

قـال عمـر:
------------

ياخبببببببر!!! ده أنا كنت مدفون في شركتي القديمة .. ده أنا كنت بأمثل إني باشتغل مهندس والظاهر إني كنت شيخ غفر ..
الشركة الأجنبية الجديدة شغلها من نار .. مفيش دقيقة دلع ولا رغي في التليفون، ولا شرب شاي وسندويتشين فول .. ولا مجال للخطأ أو التهاون لأنهم يطبقون في العمل نظام الأفضلية فقط .. ولو تهاون أحد فلا مكان له، ويستبدل بمهندس غيره في يومين على الأكثر ..
مواعيد تسليم المشاريع لا يمكن التأخير فيها إلا لو مت مثلا .. والأكثر أنـّك لا تؤدى العمل المطلوب منك فقط ولكن طول الوقت مطلوب منك أن تطور نفسك وتطور الشركة بأفكار ومشاريع جديدة تساعد على تقدم سير العمل وتطور الأداء .. وهذه الافكار يؤخذ عليها نقاط توضع في ملف كل مهندس، وعلى أساسها تتم ترقيته على قدر عمله .. وليس عن طريق الأقدمية أو عن طريقنا المفضل وهو أن من ينقل كل أخبار الموظفين ويكون جاسوس عليهم يكون هو حبيب المدير وأهم موظف في الشركة .. حتى لو كان لم يدخل حتى محو الأمية ..

قـالت سـارة:
--------------

ماما قالتلي إن الغم اللي أنا معيّشة نفسي فيه سببه إكتئاب ما بعد الولادة، وده بيحصل لأمهات كتير .. إستغربت جوايا وقلت ليه ربنا يدينا نعمة زى الأمومة ونكتئب؟
حاولت أقرا في الموضوع ده، ودخلت على الإنترنت ولقيت إنه بيحصل من إضطراب الهرمونات بعد الولادة، لأنها بتهبط فجأة بعد ما كانت مستقرة طول شهور الحمل .. واترعبت لما لقيت حالات في أوروبا وأمريكا دخلوا حالة مرضية من الإكتئاب وقتلوا أولادهم .. ومنهم إنتحروا .. أعوذ بالله ربنا يستر ..
لا .. لازم أحاول أخرج من الحالة دي قبل ما أتجنن .. ح أحاول أسمع قرآن مادمت مش قادرة أقراه .. أحاول أقرأ الجرايد تاني أو أروح للكوافيرة اللي نسيت عنوانها فين .. بس والله غصب عني .. كل ما باشوف شكلي في المراية وإن وزني زاد شوية بأعيط .. ولما بأحس إني معزولة عن العالم وكل حياتي داخل الكوافيل والرضعات والبكاء المستمر باكتئب .. ولا شعورياً باحس إن عمر هو السبب فى كل اللي حصلّي .. فبابعد عنه أكتر وأكتر ..
هو كمان مشغول جداً في شغله ولا يفكر أن يشاركني في تربية يحيى .. حتى إنو ساب أوضة النوم وأصبح ينام لوحده في الغرفة الصغيرة .. طبعاً من كونشرتو آخر الليل للباشا يحيى .. وعندما أغضب وأطالبه ألا يتركني وحيدة يتعلل بأنه لازم ينام كويس علشان يعرف يشتغل الصبح، لأن الناس دى ما بتهزرش ..
طيب وأنا أعمل إيه؟ هو ابني لوحدي؟ .. ده غير إني أصلا مش بانام طول الليل، والصبح مطلوب مني إني أراعي البيت وأنضف وأطبخ .. غير المعارك اليومية ليحيى والتي لا تجعلنى أجد وقت لانجاز كل الكوارث اللي ورايا دي .. بجد حاسة إن أنا وعمر بعدنا عن بعض .. كل واحد في أوضة، وبينام بدري لأنه بيرجع متأخر من الشغل الجديد، وأنا أفضل وحيدة .. ومش عاوزني بعد ده كله أكتئب؟

قـال عمـر:
------------

خلاص الظاهر شهر العسل خلص خلاص وحيبتدى الجواز الأصلي .. مش عارف أتكلم مع سارة ولا نقعد مع بعض زى زمان .. يا إمّا نايمة لأنها سهرانة طول الليل مع يحيى، يا إمّا بتجرى تحضر له رضعاته أو بتغيّرله .. يا إمّا مكتئبة ومش عاوزة تتكلم خالص .. أنا بجد مش عارف أعمل إيه؟ ومش عارف أساعدها إزاي .. يعني أسيب شغلي وأقعد أرضع يحيى؟!!
بجد سعيد جداً بأني بقيت أب .. ولو خيرونى بين كنوز الدنيا وبين يحيى أختار إبنى طبعاً .. بس حاسس إني خلاص بقيت في المرتبة التانية عند سارة .. والله وارتكنت على الرف يا عم عمر ..

*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*

قـالت سـارة:
--------------

النهاردة يحيى باشا كمل شهرين بالتمام والكمال .. خلاص بقى راجل قد الدنيا ومحدش عارف يكلمه .. بقى بيضحك لما ألاعبه .. بجد بجد إبتسامته لايمكن توصف .. بتمسح عني أي تعب أو ألم .. والظاهر هو عارف كده .. بيعمل كل كارثة والتانية، وبعدين يبتسم لي كأنه بيديني رشوة .. آآآآه واضح إن جينات الرجولة بتتخلق من بدري أوي .. لا وواضح إنه ح يبقى شقى جداً .. عاوز يرفع دماغه على طول علشان يعرف إيه اللي بيحصل في الدنيا من وراه .. ولا يقبل أي تأخير في طلبات سيادته، ولو لدقيقة واحدة، بيكون كل الشارع سمع صوتنا ..
بس بجد كل يوم باسأل نفسي إزاي كنت عايشة في الدنيا من غيره؟؟ .. صحيح إنى نسيت النوم والراحة والخصوصية بس سبحان الله ربنا بيعوض كل ده بكنز خاص إسمه الأمومة ..

قـال عمـر:
------------

المدير عاوز تصميم المشروع الجديد جاهز في أقل من شهر .. حتى لو اضطريت إني أبات في الشركة أنا وزمايلي .. مش مشكلة، المهم يتسلم فى ميعاده بالثانية .. أمال ليه إحنا فى شركاتنا العربية كل حاجة ماشية بالبركة؟ وعادى جداً إننا نسمع عن مستشفى مثلاً بيتبنى في عشرة وعشرين سنة كمان؟ .. طبعاً كل ده مش وقت للبناء بس بيشتغلوا يوم ويريحوا شهر ..
فعلا مش قادر على ضغط الشغل، حاسس إني مطحون وكل حاجة عندي بالدقيقة والثانية .. وأنا كمان في مرحلة إثبات الذات في الشركة .. وغير مسموح لي بأى خطأ أو تهاون ..
وللأسف جو البيت لم يعد مشجع زي زمان .. سارة طول الوقت عينيها بتتهمنى بالتقصير ناحيتها وناحية يحيى، رغم إنها لم تصرح بده بس أنا باحس بيها .. لكن أعمل إيه؟ بارجع البيت باكمل شغل على الكومبيوتر والإنترنت، وبالعافية بانام كام ساعة ..
مفروض إني أسيب ده كله وأسيب الدوامة دي وأسألها يحيى رضع كام مرة النهاردة؟ .. ستات رااااايقة ..

قـالت سـارة:
--------------

إجازتي من شغلي انتهت وكان لازم أرجع وإلا يستغنوا عن خدماتي ويجيبوا حد تاني .. وكان قرار صعب جداً إني أرجع ولا أقعد في البيت وخلاص .. كنت محتارة جداً في القرار والكل كان رأيه إني أتفرغ لتربية يحيى وخلاص .. وأولهم عمر طبعاً ..
وأنا كنت حاسة إنها حاجة صعبة جداً .. إني مش لاقية وقت أخرج ولا أنام زي البني آدمين الطبيعيين .. لا وكمان أصحى بدري وأشتغل .. وحالة الإكتئاب اللي كانت عندي ـ واللي الحمد لله انتهت بمرور الوقت وبتقربي الى الله ـ ساعدت كمان إني ما يكونش عندي قدرة إني أعمل أي حاجة تانية .. لكن بمرور الوقت أصبحت أفضل في رعاية يحيى وبقيت باعرف هو بيبكي ليه .. وحاولت أنظم مواعيد رضعاته، فحسيت إني لازم أرجع أشتغل تاني وخصوصاً إني لا يمكن ح ألاقي وظيفة إني أشتغل من البيت تاني .. فصليت صلاة الإستخارة وحسيت إن ده مستقبلي حتى لو كان بسيط .. بس أنا مش عاوزة أكون زوجة و أم بس .. لأ لازم أكون قبل دول: سارة .. لازم أحافظ على شخصيتي وما أسيبهاش تدوب في دوامة البيت والأطفال .. حتى لو تعبت شوية، لكن أكيد ح أتعود .. ولو ما تعبتش دلوقتى فى شبابى ح أتعب إمتى؟
لكن الأيام الأولى كانت إنتحار بجد .. طول الليل سهرانة مع يحيى وبينام بعد الفجر .. يادوب أصلي وأنام ساعتين وأصحى أقعد على الكومبيوتر وأبدأ فى إرسال الإيميلات والرد على العملاء .. بس طبعا بامووووت من التعب .. وأحيانا كنت بانام وأنا قاعدة وأصحى مفزوعة من صوت التنبية في الرسايل اللى بتوصل كل ثانية .. وأفضل أشرب شاى وقهوة لحد ما أفوق .. وفي خلال كل ده أرتب البيت بسرعة، ويحيى معايا طبعاً باعمل له كل طلباته بدون توقف لحد ما ينتهي العمل الساعة 3 وبأكون خلصت الغداء .. وبأحاول أنيّم يحيى وأنام جنبه ولو ساعة أو ساعتين وبعدها أصحى أستعد لحضور عمر الساعة ستة .. آآآآآآآآآه يارب ساعدني ..

_____________________________________________

_______________________________

قـالت سـارة:
--------------

ناداني عمر: سارة .. سارة .. إصحى إنتي نايمة على الكنبة؟
أنا: إيه ده إيه ده؟ إنت جيت يا عمر إمتى؟ إحنا الصبح ولا بالليل؟
عمر: الساعة 7 بالليل يا سارة .. قومي يا حبيبتي علشان ناكل .. أنا جعان جداً .. عاوز آكل بسرعة علشان ورايا شغل كتير ..
شعرت بصداع رهيب وأنا أحاول أن أقوم من مكاني .. واتضايقت لما وجدت عمر يسأل عن الأكل ولم يسأل عليّ أنا أو يحيى .. فرددت بعصبية: طيب إسأل عليّ أنا وابنك قبل ما تسأل عن الأكل يا سيدي ..
تفاجأ عمر من رد فعلي العصبي، ويبدو إنـّه هو كمان كان مشحون على الآخر .. فرد بعصبية هو كمان: هو إحنا مش ح نخلص من الموال ده يا سارة؟! كل يوم تتهميني إني مقصر في حقكم إنتي ويحيى؟! يعني ليّ بيت تاني مثلاُ باهتم بيه؟؟ وإنتي عارفة قد إيه الشغل الجديد متعب .. أعمل إيه يعني؟
رددت بعناد: والله أنا مش باطلب منك تسيب شغلك وتقعد جنبنا .. بس على الأقل حاول تشاركني ولو نفسيا في تربية يحيى .. ده انت حتى بتنام في أوضة تانية .. لأ أنا بجد تعبت وحاسة إني عايشة لوحدي ..
فرد بصراخ: يادي النكد الأزلي .. مش ح نخلص من السيرة دي يا سارة؟ .. طيب قوليلي إزاى أنام وطول الليل يحيى بيصرخ؟ يعني أروح الشغل مش نايم علشان أترفد ونقعد على باب السيدة كلنا؟ كده أبقى باشاركك نفسياً؟
فصرخت أنا الأخرى: والله ما أعرفش .. هو مش إبني لوحدي .. حرام إنك تسيبني لوحدي في كل حاجة كده ..
ففاجأني برده القاسي: والله انتي اللي سايباني يا هانم .. قبل ما تتهميني بالتقصير شوفي نفسك الأول .. إنتي اللي من يوم ما ولدتي مش مهتمة بنفسك ومش شايفة غير يحيى وبس .. وناسية إن ليكي زوج .. وحتى ما بتسألنيش عملت إيه في الشغل ولا ليكى دعوة بيّا خالص .. خلاص إتركنت على الرف من أول طفل .. أمال لما يبقوا تنين تلاتة حتعملي إيه؟ حترميني في الشارع؟
ذهلت من هجومه عليّ وشعرت بانهيار تاااام .. كل هذا المجهود الرهيب وأكون أنا المقصرة؟؟ .. فعلا لا حدود لأنانية الرجال ..
لم أقوى حتى على البكاء ولا الصراخ .. تجمدت الكلمات على لساني ونظرت إليه وكأني لم أره من قبل .. وشعرت بدوار كبير، وسمعت صوته وهو يناديني من مكان بعييييد .. ومادت الأرض بي .. وفقدت الوعي ..

فتحت عيني بصعوبة شديدة لأجد نفسي نائمة في سريري، ويحيى نائم بجواري، وعمر ينظر إليّ بقلق بالغ .. وبيده عدة عطور يحاول إفاقتى بها .. شعرت بصداع رهيب لم أشعر به من قبل، وثقل شديد فى رأسي .. وتذكرت ما حدث فأغمضت عيني كي لا أرى عمر وسالت دموعي ..
همس عمر وهو ممسكٌ بيدي: حمد لله على السلامة يا حبيبتي .. كده تقلقيني عليكي .. ده أنا كنت ح أموت لما أغمي عليكي ..
أنا: .......؟
عمر: أنا آسف ..
أنا: ......؟
عمر: مليون آسف يا حبيبتي .. بس أنا كنت راجع ح أموت من التعب، وكنت عاوز أرتاح شوية علشان ورايا شغل تاني .. بجد أنا مشحون جداً يا سارة، ومفتقد حبيبتي جنبي ..
فرددت عليه بصوت ضعيف: أنا كمان تعبانة أوى يا عمر ومحتاجاك معايا .. مسؤولية الأمومة متعبة جداً ولازم يكون حد جنبي .. وإنت من يوم ما ولدت بعيد عننا .. وحتى بتنام في أوضة تانية .. حاسة إني وحيدة جداً .. ده أنا بيتهيألي إنك مش مبسوط إننا خلفنا يحيى ..
فرد بانزعاج: إيه الجنان ده؟!! .. لا إله إلا الله .. ده أنا أموت لو بس إتجرح ..
فرددت من بين دموعي: أمال إنت بعيد ليه؟؟
فرد بحنان بالغ: والله غصب عني .. عاوز أثبت نفسي في الشغل الجديد .. إنتي عارفة إني لسه في فترة إختبار أول شهرين .. معقول من أولها كده أنام في الخط وأروح مش فايق علشان يقولوا لي مع السلامة؟!
رددت بعناد: طيب والحل؟
عمر: يا سارة لازم تعرفي إن أهم حاجة في حياة الراجل هي شغله.. وأهم حاجة في حياة الست هي أولادها وبيتها .. وكل خناقات الدنيا بتيجي لما طرف من الإتنين بيفترض العكس من شريكه .. إحنا الإتنين لازم نتعب علشان نربي إبننا أحسن تربية ..
رددت وقلت: بس أنا تعبانة أوى يا عمر ..
عمر: خلاص يا سارة، صدقيني ح أحاول والله على قد ما أقدر إني أساعدك .. إتفقنا؟
فرددت برضى: إتفقنا ..
جاءت الأيام التالية وكلي تصميم على تنظيم حياتي وتغييرها، لنشعر جميعا بالراحة، وبدأت بإني استشرت طبيبة أطفال في نوم يحيى المتقطع، وسهره بالليل، وتعبي معه .. فردت علي رد صدمني إنني أنا السبب .. يا ربي .. ناقص يقولوا إني سبب خرم الأوزون ..
وجاء توبيخ الطبيبة لي إن المفروض من أول أسبوع أن أحاول ألا أرضع يحيى بعد الساعة 12 مساءاً حتى السادسة صباحاً كي ترتاح معدته وينام باستغراق طوال هذه المدة .. لأن الطفل ما دام يستيقظ ليلاً ويجد أمه ترضعه كل مرة سيستيقظ كل ساعة حتى لو لم يكن جوعان .. لكنه لو علم أنها لن ترضعه سيبكي أول يومين وبعدها لن يستيقظ طوال الليل .. طبعاً سمعت كلام الطبيبة وأنا فاتحة فمي علامة البلاهة .. يعنى كان ممكن أرتاح من الغلب ده كله؟؟
وعزمت على تنفيذ ما قالته الطبيبة بالحرف الواحد، واخترت يوم الأربعاء مساءاً ليكون الخميس والجمعة أجازة بعدها .. وبالفعل حاولت تنظيم رضعاته ولم أرضعه ليلاً .. وبالطبع كانت إستغاثاته دولية، وكان ناقص يقوم يتصل بالبوليس من الست المفترية دي .. وكدت أضعف وأرضعه إلا أنـّني صمدت وأنا أبكي من صراخه .. وفي النهاية نام ..
فعلا الاطفال في غاية الذكاء .. عندما علم أن لا فائدة من صراخه نام .. وأكيد بيقول في سره: حسبي الله ونعم الوكيل .. لكن بعد عدة أيام الحمد لله استسلم ولم يعد يستيقظ ليلاً .. وأصبحت أنام زي مخاليق ربنا .. وبعد أسبوعين آخرين أقنعت عمر إن يحيى أصبح أليف ورجع ينام في أوضتنا تاني .. إقتنعت دلوقتي ليه ربنا عمل هجر الفراش وسيلة من وسائل تأديب المرأة ..

قـال عمـر:
------------

الحمد لله أخيراً إنتهت فترة الإختبار في الشركة .. وأبدوا إعجابهم بنشاطي ومجهودي، وأصبحت مهندس دائم في الشركة .. والأهم إني أخييييراً ح أقبض مرتبي بعد فترة الإختبار المجانييية .. والله وح تبقى غني يا واد يا عمر ومحدش ح يعرف يكلمك ..
لازم بجد أكافىء سارة واشترى لها هدية محترمة على الغلب اللي شافته معايا .. أنا فعلاً كنت لا أطاق في الفترة اللي فاتت .. مش عارف إزاي الست ممكن تركـّز في كذا حاجة فى نفس الوقت وتعملها كلها بكفاءة .. تلاقيها بتذاكر لابنها، وبتتفرج على التليفزيون، وتتكلم في التليفون، وبتطرّز مفرش في إيديها، ومتابعة بقية ولادها وهمّ بيلعبوا .. والراجل لو بس بيتكلم في التليفون وحد علّى صوته ولا حاجة بيعمل حريقة في البيت لأنه مش مركز في المكالمة .. أنا فعلاً لما باركز في شغلي مش باعرف أعمل أي حاجة تانية .. بس خلاص بقى فترة الضغط الرهيب دي عدت على خير ولازم أعوض سارة ويحيى باشا ..

قـالت سـارة:
--------------

"إيه كل ده يا عمر؟؟ .. مش معقول؟ إنت قتلت حد ولا إيه؟"
قلت هذه العبارة باستغراب شديد وأنا أجد عمر يدخل البيت ومعه سرير هزاز جميل ليحيى مزود بألعاب تصدر أصواتاً لإسكاته، ومجموعة من الألعاب المطاطية، وكذا طقم خروج ليحيى شيك جداً .. ولم أنتظر لحظة إلا وفاجأنى بفستان سوارية لي في غاية الأناقة .. قفزت من الفرحة وأنا أشكره وأقول له: ده كتير أوي يا حبيبي .. إنت قبضت ولا إيه؟
رد عليّ مبتسماً: ايوة يا قمر قبضت أخيييراً .. وكمان أخدت مكافأة شهور الإختبار .. يعنى بإختصار انا حالياً إنسان غني أوي وإنتي مش من مستوايا وإحتمال ما أردش عليكي بسهولة ..
وطبعا كان جزاؤه ضربه بكل مخدات الأنتريه وهو يصرخ ويطلب الرحمة .. ولم أتوقف عن ضربه إلا عنما فوجئنا أنا وعمر بصوت يحيى يضحك بصوت مسموع على معركتنا .. فجرينا نحوه واحتضناه ونحن لا نصدق آذاننا .. وأخذنا نضحكه أكثر وأكثر بافتعال الحركات، وهو يزداد فى ضحكاته العالية .. واحتضننا عمر بسعادة بالغة وطلب مني ان أرتدي الفستان الجديد .. ويحيى الملابس الجديدة .. لأننا سنخرج للعشاء فى أشيك مطعم على النيل ..
جريت على الفور لنلبس أنا ويحيى قبل أن يرجع في كلامه .. وكان شكل يحيى قمر في البدلة الجديدة التي جعلته مثل الرجل الصغير .. واهتممت جداً بمظهرى وأخذت وقت طويل في الإستعداد .. وخرجت لعمر ..
أوووووه ما شاء الله .. الآنسة مرتبطة؟
كانت ذلك التعليق من عمر طبعاً .. وكان ردي:.........؟
أكمل قائلاً: طيب تسمح الآنسة القمر دي إني أعاكسها وأديها هدية تليق بالشياكة دي كلها؟.. وأخرج من جيبة علبة قطيفة بها إسورة رااائعة .. وألبسها لي وهو يقول: ربنا يقدرني وأعوضك كل حاجة يا غالية ..

_____________________________________________
______________________________

قـالت سـارة:
--------------

لا أصدق أنـّه قد مرّ على ولادة يحيى 9 أشهر .. وكأني كنت أحمله داخل رحمي بالأمس .. أصبح إنساناً آخر .. زاد وزنه وأصبح شديد الشبه بي .. وفي خده غمازة تظهر بشدة عندما يضحك .. بدأ يحبو على الأرض ويضحك بشدة عندما ألاعبه .. وعندما أجرى وراءه يحبو بأقصى سرعته ليختبئ تحت الكنبة ويتخيل أنـّني لا أراه..!! متعلـّق بي بشكل لا يوصف ..
وعندما يجد أي شيء ملقى على الأرض لا يتردد أن يتذوقه أولاً .. وإن لم يعجبه يعطيه لي بنفس راضية .. مما جعلني طوال اليوم لا همّ لي الا أن أجعل الارض لا شيء عليها على الاطلاق، لأنه لا يفرق بين المسامير والحلوى .. كلـّه إلى فمه .. وجعلني لا أهدأ طوال اليوم من التفتيش تحت أي كرسي يحلو له أن يختبىء تحته عن أي شىء ملقى .. ولو قطعة كلينكس .. خوفا من أن يبتلعها ..
مرحلة الحبو دي مرحلة خطيرة جداً .. ربنا يستر وتعدي على خير من غير ما عمر يطلقني .. لأنه لو وجد أي شيء ولو بنسة شعر سقطت مني تحول إلى خناقة كبيرة خوفاً على حياة الباشا ..

قـال عمـر:
-----------

ياااه على الروتين والشغل اللي ما بيرحمش .. أنا بجد تعبت خلاص .. نفسي آخد أجازة وأروح في مكان فااااضي لا أرى أي أحد على الاطلاق ..
قدمت على اجازة أسبوع وبالعافية رضيوا على 4 أيام فقط .. منهم الجمعة والسبت طبعاً .. بس مش مهم .. المهم إني اتخنقت وعاوز تغيير حالاً .. سارة كمان مطحونة بين شغلها وبين يحيى اللي أصبح عفريت وعاوز حارس عليه 24 ساعة كي لا يبتلع سم فيران مثلاَ ..
كلمت صديق قديم لي يمتلك شالية منعزل على شاطىء البحر الأحمر بعييييييد عن كل العالم .. الظاهر إنهم بنوه علشان يقتلوا فيه حد وبعدين غيروا رأيهم .. الشاليه يجنن، يبعد عن أي مبانى حوالى 30 كيلو .. وهو ده اللي أنا عاوزه بالظبط ..

قـالت سـارة:
--------------

"أهلا أهلا بالأستاذ يحيى .. أخبار مغامرات سعادتك إيه النهاردة؟"
قالها عمر وهو يحتضن يحيى الذي هلل لرؤيته وأخذ يقفز بين ذراعيه ..
قلت له: أسكت يا عمر ده جننني النهاردة .. طول النهار مستخبي وبأدور عليه .. يا إمّا تحت السفرة يا إما جوه دولاب المطبخ بيلعب فى الحلل .. إنت أكيد كنت جن زيه كده وإنت صغير وهو طالع لك ..
ضحك بقوة وأجاب: أيوة كده خليه راجل أمّال عاوزاه بنوتة؟ أما أنا محضر لك حتة مفاجأة تحفة ..
قفزت من الفرح وأنا أسمع وأمسكته من رقبته: مفاجأة؟ إيه يالا قول بسرررعة أحسن مش ح يحصل لك طيب ..
قال لي مبتسماً: ياساتر يارب .. هو ده الرد؟ على العموم أنا ح أقول ليحيى مش ليكي .. بص يا كابتن: أنا عارف إنـّك ما شفتش بحر قبل كده، علشان كده يالاّ روح هات المايوه بتاعك علشان ح نروح شالية يجنن أنا وإنت بس .. وح نسيب ماما المفترية دي هنا ..
وكأن يحيى فهم الكلام إنه مطلوب منه شيء .. فأخذ يحبو بسرعة وذهب يحضر الدبدوب المفضل عنده واعطاه لأبيه .. وظهرت علامات الحيرة على وجهه عندما غرقنا في الضحك من تصرفه وكأنه يقول فى سره: العالم دي مجانين ولا إيه النظام؟
سألت عمر: شاليه إيه يا عمر؟ إيه ده صاحبك وافق؟ الشالية بتاع البحر الاحمر؟
ردّ فى نشوة: ايوة يا سارة 3 أيام ما نشوفش ولا مخلوق السماء والبحر والهدوووووووء ..
فتحرك القلق داخلى لا اعرف له سببا وقلت له: هي طبعا حاجة مغرية جداً بس مش يمكن نحتاج حاجة ولا تحصل مشكلة هناك؟
فرد بتبرم: إنتي على طول متشائمة كده يا بنتي؟ ح يحصل إيه يعني؟ العفاريت ح ياكلونا؟ الشاليه مجهّز بكل حاجة وحناخد كل أكلنا معانا ح يحصل يعني؟ يالاّ حضري كل لوازمنا علشان نلحق نوصل .. الطريق طويل ..

وأخييييراً وصلنا مع أول خيوط للفجر .. المكان منعزل عن العالم، ولكنه ساحر .. شاليه رائع من طابقين مبنى على الطراز الإنجليزي .. وتحيطه حديقة صغيرة ومطل على البحر الذي لم أر في صفاء مياهه من قبل .. ودرجاته الفيروزية والزرقاء التي تجعلك تسبـّح لله كل لحظة من فرط روعته .. وفي الداخل وجدناه مؤسس بذوق راقي وبسيط يجعلك تشعر بالراحة من أوّل لحظة .. ونسمات البحر الرائعة تغسل عنا تعب العمل وإرهاقه .. وتوقظ المشاعر التي خنقتها الروتين والرتابة ..
أفرغت الحقائب بسرعة وصلينا الفجر أنا وعمر ولم نستطع النوم .. فتسللنا وتركنا يحيى نائما وجلسنا على الرمال الناعمة نراقب الشروق وأشعة الشمس الوليدة التي تعانق الأمواج على إستحياء .. وكأنها عروس خجلى ..
نظر لي عمر نظرة لم أرها منذ شهور من فرط انشغالنا في العمل والمسئوليات .. وقال لي: بحبــّــك ..

قـال عمـر:
------------

ياسلام لو الواحد يعيش كده طول عمره .. يااااه .. أعصابي رايقة جداً وسارة في قمة السعادة وهى تحاول أن تبلل أرجل يحيى في مياة البحر، وهو خائف وينظر لهذا الشيء الخرافي الذى يراه لأول مرة وكأنه يقول: البتاع ده ما شفتوش في البيت عندنا قبل كده .. ثم بعد فترة تعجبه اللعبة ويحرك يديه وقدميه بكل قوة حتى يغرق أمه وهي تهدده بانتقام ..

قـالت سـارة:
--------------

مرّت علينا أمسية هادئة ونحن ننعم بالهدوء والصفاء، ولم يكدرني سوى أنـّني لاحظت أن يحيى يرفض الطعام منذ عدة ساعات .. وبعد فترة وجدته يصرخ ويبكب بلا انقطاع .. حاول عمر طمأنتي أنه من تغيير الجو .. حاولت تصديق هذا وأعطيته دواءاً للمغص ولكنه لم يستقر فب معدته لدقائق وتقيئه بشكل أفزعني .. ولم تمضي إلا ساعة ووجدت لديه إسهال رهيب .. والقيء لا ينقطع، وحرارته مرتفعة جداً .. صرخت على عمر الذي إرتبك ولم يدري ماذا يفعل ..
مرض يحيى من قبل عدة مرات .. ولكنه أبداً لم يكن بمثل هذه الشدة .. نظرت إليه وهو تقريباً مغشي عليه من فرط السوائل التي فقدها بشكل مفاجىء .. إرتجفت ولم تحملني قدماي .. وبكى عمر وهو يرتدي ملابسه بسرعة لنذهب لأقرب طبيب .. ولكن أين الطبيب فى هذا المكان المنعزل وفي هذا الوقت من السنة .. والذي لم يبدأ فيه موسم التصييف بعد .. فجميع القرى السياحية ـ البعيدة جدا ـ أيضا خاوية ..

قـال عمـر:
------------

جرينا على السيارة وسارة تحمل يحيى وهو تقريباً فاقد الوعي وفي شدة الذبول .. وأنا لا أعرف إلى أين أذهب..! ودموع سارة لا تتوقف وهي تردد كلمة واحدة بمنتهى الوعيد: إنت السبب .. أنا قلت لك بلاش المكان المقطوع ده .. لو حصل حاجة لإبني مش ح اسامحك أبداً .. وكأنه ليس إبني أنا الآخر .. فعلاً الانثى في الأصل أم ثم زوجة ..
مرت نحو ساعة ونصف وأنا أسير بلا هدى ولا أجد بشائر لأي مستشفى أو حتى عيادة، وانا أصرخ داعيا الله أن يغيثنا .. وكل لحظة يحيى يزداد ذبولاً وشحوباً .. وسارة يكاد قلبها يتوقف من فرط البكاء والدعاء .. حتى أخيراً وجدنا نقطة إسعاف على الطريق العام، ويبدو أنـّها مهجورة ..فجرينا عليها فلم نجد إلا حجرة واحدة للكشف يبدو أنـّه لم يدخلها مريض منذ أعوام .. ووجدنا ممرض نصف نائم قابلنا ببرود شديد .. صرخنا به سائلين عن الطبيب، فأخبرنا بلا مبالاة أنه ليس موجود .. لأول مرة فى حياتي أرى سارة الوديعة تتحول إلى نمرة شرسة مستعدة للقتل في أي لحظة، وصوتها يصل إلى عنان السماء وهي تصرخ في الممرض بشراسة: لو في ظرف 5 دقايق ما جبتش الدكتور حالاً أقسم بالله العظيم لأقتلك بإيدي وأدفنك في الحتة المقطوعة دي ..
ويبدو أنّ الرجل إرتعب من غضبها الهائل وفر كالريح يوقظ الطبيب من سكن الأطباء .. وجاء لنجده طبيباً صغير السن حديث التعيين .. لا أعرف كيف يضعون طبيب قليل التجربة في مكان وحده لا يجد من يعلمه ويكون مسئول بمفرده عن كل شىء ..

قـالت سـارة:
--------------

بدأ الطبيب في الكشف على يحيى وتعابير وجهه غير مطمئنة .. وبعد قليل أخبرنا أن الحالة محتمل ان تكون تسمم من إبتلاعه شىء فاسد أدت إلى حالة القىء والإسهال الشديدين .. والأهم الآن هو انقاذه من حالة الجفاف الخطيرة ..
هبط علينا كلامه كالصاعقة، وأحسست برعب لم أشعر به فى حياتي .. توقف عقلي عن العمل، وتوقفت الحياة عن دورانها، حتى البكاء لا أقدر عليه .. أنظر إليه وهو فاقد الوعي وشاحب شحوب الموتى .. أكيد إبتلع شىء من الشالية أو البحر في غفلة مني .. بماذا تشعر الأم إذا مات ولدها؟ .. يارب ..
لم أستطع الحفاظ على نعمتك فسامحني واحفظها لي برحمتك وسلطانك .. يارب .. يارب ..

قـال عمـر:
إنطلقت بأقصى سرعة الى الصيدلية للمرة الألف لإحضار المحاليل والادوية التى يطلبها الطبيب كل ساعة .. يحيى يزداد ذبولا ولا يستعيد وعيه من شدة الجفاف .. منذ 5 ساعات وسارة لا تفارقه وكل المحاليل تخترق أوردته بلا فائدة .. يارب لا أعرف كيف أدعوك في هذه المحنة .. قد أكون إرتكبت العديد من الذنوب ولا أستحق غفرانك .. ولكن إرحم هذا الملاك من أجل أمه التي تفقد الحياة كل دقيقة بجواره .. إرحمه من أجلي فهو نبض قلبي وثمرة عمري ..
ظهرت أنوار نقطة الإسعاف أمامي .. وقبل أن أصل وجدت رجل عجوز مسكين ينام على جانب الطريق .. لا أعرف من أين جاءني هذا الخاطر فأوقفت السيارة وأنا فى أمس الحاجة لكل دقيقة .. نزلت وأعطيته كل المال الذي فى جيبي بدون أن أبقى معي شىء وبلا تفكير .. تذكرت: "داووا مرضاكم بالصدقة" .. لعل الله ينقذ بها إبني الوحيد .. يارب .. يارب ..
إقتربت وأنا أخشى أن أرى وجوهاً باكية في إنتظاري .. ولكنـّني وجدت سارة تهرول في اتجاهي وصوتها مختلط بين البكاء وعدم التصديق وهي تهتف: يحيى فاق يا عمر ..

_____________________________________________
_____________________________

قـالت سـارة:
--------------

تحول كل بيتنا إلى فوضى منذ أن أصبح يحيى يمشي .. أصبح لا يوجد مقعد في مكانه ولا مفرش فوق ترابيزة لا سمح الله .. وطبعاً أي ورود أو تحف صغيرة أصبح من المستحيل بقائها مكانها، وأصبح مكانها الوحيد فوق الدولاب كي أنقذها من التحطيم المستمر .. لا أعرف لماذا يحب الأطفال استكشاف كل شيء حتى لو رأوه مائة مرة؟
أتعجب عندما أرى يحيى ماشياً فى أمان الله وفجأة يثبت نظره في اتجاه شيء معين، وهنا تصفر صفارات الإنذار في رأسي من أني في ثواني سأسمع صوت تحطيم أو دمار .. ثم أجده متجهاُ بمشيته التي تشبه مشية البطة إلى هدفه كالصاروخ، ويكون غالباُ كوب أو برواز صورة أو أي شيء .. وهنا أقفز مثل لاعبي السيرك لأنقذ الهدف المسكين من مصيره المحتوم .. وإن نجحت تبدأ مرحلة من الصراخ من يحيى إحتجاجا على هذا الظلم البائن ..
كنت في البداية أرق لبكائه وأتراجع عن موقفي كي يكف عن البكاء .. ولكني وجدت أنـّه في غاية الخبث، علم أن البكاء يخيفني فاستخدمه كسلاح .. أي شيء يريده بيفتح السارينة .. ولكنـّني انتبهت لهذا السلاح الجديد وأصبحت لا أهتم لصراخه .. حتى عرف بعد فترة أنـّه لا جدوى معي من البكاء .. فأصبح ينصرف عنى وكأنه يتمتم: حسبي الله ونعم الوكيل ..
أصبح يحيى هو صديقي الوحيد والوجة الوحيد الذي أراه يبتسم في وجهي منذ أن زارنا الحزن وأقام لدينا منذ شهرين .. من يوم مات والد عمر ونحن نسكن مع الحزن في كل لحظة .. أخاف على عمر من شدة حزنه على أبيه .. أراه شاردا حزيناً، أستيقظ فلا أجده بجواري وأجده يصلي وحيداً وهو يبكي لله ويسأله الصبر على الفراق .. أحاول بكل طاقتي أن أخرجه مما هو فيه بلا جدوى .. يارب خفف عنه وعنا ..

قـال عمـر:
-----------

{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} ..
الموت من جنود الله التي تدفعنا دفعاً إلى الخوف من الوقوف بين يديه .. لا أعرف كيف اختطف الموت أبي لأتحول فجأة من رجل إلى طفل صغير فقد يد أبيه في الزحام فوقف يبكي ولا يشعر بزحام الدنيا من حوله .. فقط ينتظر وجه أبيه ليعيد له الأمان .. رحمك الله يا أبي .. كم أتعبتك في طفولتي .. وكم عاندتك في مراهقتي .. وكم جادلتك في شبابي ..أندم على كل يوم لم أقبـّل فيه يديك ..
وتبقى مشكلة أمي؛ أنا إبنها الوحيد الرجل، وأخواتي البنات متزوجات وفي بلاد بعيدة مع أزواجهن .. وأمي في حال يرثى لها منذ وفاة أبي .. وأنا يومياً أزورها بعد عملي ولكنها تعيش فى أحزانها وتهمل صحتها .. خوفي عليها يزداد .. ولكن ماذا أفعل؟

قـالت سـارة:
--------------

حياتنا انقلبت منذ وفاة والد عمر .. أصبحت لا أراه إلا نادراً .. أصبح يخرج من عمله ويذهب إلى حماتي ليقضي معها بقية الليل .. وأحيانا يبات هناك معها .. وأنا أزورها ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع .. أعد طعام الغداء وأصطحب يحيى وأذهب إليها وننتظر عمر ليأتي ونقضي بقية اليوم معها .. أشفق عليها من أحزانها .. لا أعرف كيف تشعر المرأة لو فقدت شريك حياتها وحبيبها ورجلها الوحيد بعد عِشرة أكثر من ثلاثين عاماً؟؟ .. يتحول حزنها إلى عصبية شديدة لو غاب عنها عمر يوماً .. تظل تبكي وتتهمه بأنه لا يحبها ويفضل بيته وزوجته .. اللي هي أنا .. ولو لم أحضر لها يحيى لتراه صبـّت فوق رأسي كل صراخ الدنيا .. ازدادت أعصابي توتراً وأصبحت تقريباً لا أنام، وبيتي فقد الإستقرار ولا أرى زوجي، ولا أستطيع أن انطق بكلمة .. بل عليّ طول الوقت أن احتمل أعصاب عمر المنهارة وغضب حماتي طوال الوقت ..
زارتنى ماما ورأتني وأنا ذابلة مجهدة، وقصصت عليها ما أنا فيه ..
فردت عليّ: معلش ياسارة استحملي .. جوزك معذور ده برضه والده ..
قلت: أنا عارفة يا ماما والله، ونفسي أخرجه من اللي هو فيه، ومستحملة عصبيته واكتئابه .. بس حاسة إني عايشة في دوامة .. يا دوب أصحى الصبح علشان اشتغل وأجهز الأكل وأشيله وآخد يحيى وأروح لحماتي ونقضي بقية اليوم عندها .. وطول الوقت باستحمل كلام في منتهى الغلاسة .. وكأنـّها عاوزة تقول لي: أنا جوزي مات وإنتي كمان واخدة إبني؟ بجد يا ماما تعبت ومش عارفة أعمل إيه؟
قالت: معلش أهم يومين ويعدوا يا سارة .. خليكي إنتي بنت الأصول اللي تقف جنب جوزها وأمـّه في الظروف دي .. يعنى لو كنت إنتي مكانه مش كان ح يعمل كده؟
رددت وقلت: مش باين يا ماما انهم يومين .. إحنا بقالنا شهرين على الحال ده وعمر مش عاوز يسيبها لوحدها أبداً .. وبصراحة عنده حق بس انا تعبت أعمل ايه؟
فسكتت ماما للحظات وكأنها تفكر في أمر عميق وأجابتني: بصي يا سارة .. خلينا واقعيين، أنا رأيي إنـّك تقولي لعمر يجيب والدته تقعد معاكي هنا ..
انتفضت كالملسوعة: إيه تعيش معايا هنا؟ إنتي بتقولي إيه ياماما؟ هو إنتي مش عارفة طبعها وازاي بتعاملني؟ حرام عليكي ..
نظرت لي ماما وقالت: بصي يا سارة، خليكي عاقلة .. مش معقول ح تفضلوا على الحال ده .. ومش ممكن ح تقولي له إرمي أمك .. علشان ربنا يبارك لك في يحيى .. وبعدين خليها تيجي منك أحسن لأن ده ان آجلاً، أو عاجلاً ح يحصل وهو اللي ح يطلب منـّك إنها تعيش معاكم لأنه ابنها الوحيد الرجل .. يعني هاتيها منك واعرضي عليه إنتي واحتسبيها عند ربنا ..
فسالت دموعي وانا أرى أن كلام أمي منطقى جداً ولا مفر منه: بس يا ماما كده ح نبقى طول اليوم في حرب .. وأكيد ح تحصل مشاكل .. أعمل إيه؟
قالت: والله اتكلي على الله .. وما دمتي بتعملي كده علشان ترضي ربنا وتريحى جوزك يبقى أكيد عمر ربنا ما ح يسيبك أبداً إن شاء الله ..
صليت إستخارة ودعوت الله وقلبي يمتلأ بالخوف من حياتي التي ستنقلب رأساً على عقب .. اقتربت من عمر وهو جالس وحده فى الصالون شارد النظرات، وهمست له: مش تروق كده ياحبيبي.. ده إنت تعرف ربنا وربنا يرحمه إن شاء الله ..
رد مهموماً: ونعم بالله يا سارة .. وهو ح يفضل غالي على طول .. بس كل ما أفتكر والدتي انها لوحدها في الشقة وإنها ممكن يحصل لها حاجة من غير ما أكون معاها باتجنن .. نفسي أكون معاها على طول علشان بالي يرتاح ..
همست في سري: والله عند حق يا ماما خليها تيجي مني أحسن .. ورددت عليه: ربنا يخليها لك يارب .. طيب أنا عندي اقتراح علشان تطمن عليها؛ إيه رأيك تيجي تعيش معانا هنا وأنا أحطها جوة عيني؟
فصرخ فرحاً ورأيت ابتسامته التي لم أرها منذ شهور وهو غير مصدق وقال لي: إيه؟ بتقولي إيه؟ ‘نتى بتتكلمي بجد ياسارة؟ انا كان نفسي أعرض عليكي الموضوع ده بس كنت متردد ..
بلعت توتري وابتسمت له وقلت: ليه بتقول كده ياعمر هو احنا يعني ح نرمي أهالينا؟ ربنا يخليهالك ويقدرني على خدمتها ..
فاحتضنني في قوة وهو يقول لي: بجد مش عارف أقول لك إيه ياسارة .. انتي فعلا بنت أصول .. انا عارف إن ماما متعبة شوية.. بس صدقيني إن شاء الله مش ح تضايقك خاااالص ..
وتركني وانطلق إلى التليفون يزف البشرى لوالدته .. وأنا أردد وأنا أكاد أبكي: خالص خالص خااااااااااالص ..
يتبع ..........

 __________________________________________________________
وانتظروناااااااااااااااااااا الحلقه الجايه نشوووف هيعملو ايييه





اقرا ايضا :


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...